سورة البقرة - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


قوله عز وجل: {وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِل} بعني لا تخلطوا الْحَقَّ بالباطلِ، واللبس خلط الأمور، وفيه قوله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9] قال ابن عباسٍ: معناه: ولخلطنا عليهم ما كانوا يخلطون، ومنه قول العجاج:
لَمَّا لَبَسْنَ الْحَقَّ بِالتَّجَنِّي *** غَنِينَ واسْتَبْدَلْنَ زَيْداً مِنِّي
وفي قوله: {الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: الصدق، وهو قول ابن عباس.
والثاني: اليهودية والنصرانية بالإسلام، وهو قول مجاهد.
والثالث: الحقُّ: التوراةُ التي أُنْزِلَتْ على موسى، والباطلُ: الذي كتبوه بأيديهم.
وقوله تعالى: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} يعني محمداً، ومعرفة نبوَّته، {وَاَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنه في الكتب التي بأيديكم، وهذا قول الجميع.
قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
أما الصلاة: فقد مضى الكلام فيها.
وأما الزكاة: ففي تسمية صدقة الأموال بها، قولان:
أحدهما: أنه من تثمير المال وزيادته، ومنه قولهم: زَكا الزرع، إذا زاد، ويقال: زكا الفرد إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً كما قال الشاعِرُ:
كَانُوا خَساً أَوْ زَكاً مِنْ دُونِ أَرْبَعَةٍ *** لَمْ يُخْلَقُوا وَجُدُودُ النَّاسِ تَعْتَلِج
فخساً: الوِتر، وزكاً: الشفع، وقال الراجز:
فَلاَ خَساً عَدِيدُهُ وَلاَ زَكاً *** كَمَا شِرَارُ الْبَقْلِ أَطْرَافُ السَّفَا
السَّفَا: شوك البهمي، والبهمي: الشوك الممدود مثل السبلى.
والقول الثاني: أنَّها مأخوذة من التطهير، ومنه قوله تعالى: {أَقَتَلْتَ نَفَساً زَاكِيَةً} [الكهف: 74] أي طاهرة من الذنوب.
وفيما يُطهَّر قولان:
أحدهما: أنه تطهير المال حتى صار بأداء الحقِّ منه حلالاً ولولاه لخَبُثَ.
الثاني: تطهير نفس المزكي، فكأن المزكي طهَّر نفسه من الشُحِّ والبخل.
قوله تعالى: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد جملة الصلاة، فعبر عنها بالركوع، كما يقول الإنسان: فَرَعْتُ من ركوعي، أي من صلاتي.
والثاني: أنه أراد الركوع الذي في الصلاة، لأنه لم يكن في صلاة أهل الكتاب ركوعٌ، فأَمَرَهُم بما لا يفعلونه في صلاتهم.
وفي أصل الركوع قولان:
أحدهما: أنه مأخوذ من التطامن والانحناء، وهو قول الخليل، وابن زيدٍ، قال لبيد بنُ ربيعة:
أخبّر أخبار القرون التي مضت *** أدِبُّ كَأَنِّي كُلَّمَا قُمْتُ رَاكِعُ
والثاني: أنه مأخوذ من المذلَّة والخضوع، وهو قول الأصمعي والمفضل، قال الأضبطُ بنُ قريع السَّعْدِيُّ:
لاَ تُذِلَّ الضَّعِيفَ عَلَّكَ أَنْ تَرْ *** كَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ


قوله عز وجلَّ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم كانوا يأمرون الناس بطاعة الله، وهم يَعْصُونَهُ، وهو قولُ السدي، وقتادة، لأنه قد يعبر بالبر عن الطاعة، قال الشاعِرُ:
لاَهُمَّ إِنَّ آلَ بَكْرٍ دُونَكَا *** يَبرُّكَ النَّاسُ وَيَفْجُرُونَكَا
أي يُطِيعونك.
والثاني: أنهم كانوا يأمرون الناس بالتمسك بكتاب ربهم ويتركونه بجحود ما فيه من نبوَّة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن عباس.
والثالث: أنهم كانوا يأمرون بالصدقة ويضنون بها.


قوله عز وجل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ}:
أما الصبر: فهو حبس النفس عما تُنازع إليه، ومنه صبر صاحب المصيبة، أن يحبس نفسه عن الجزع، وسُمِّي الصوم صبراً لحبس النفس عن الطعام والشراب، ولذلك سُمِّي شهرُ رمضانَ شهر الصبرِ، وجاء في الحديث: «اقْتُلُوا الْقَاتِلَ، وَاصْبِرُوا الصَّابِرَ» وذلك فيمن أمسك رجلاً حتى قتله آخر، فأمر بقتل القاتل، وحبس الممسك.
وفي الصبر المأمور به، قولان:
أحدهما: أنه الصبرُ على طاعته، والكف عن معصيته.
والثاني: أنه الصوم، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ استعان بالصلاة والصيام، ورُويَ أنه رأى سلمان منبطحاً على وجهه، فقال له: أشكو من بردٍ. قال: «قم فصلِّ الصلاة تُشْفَ». وأما قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ على الْخَاشِعِينَ} ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني: وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، لعود الكناية إلى مؤنثِ اللفظِ.
والثاني: يعني الصبر والصلاة، فأرادهما، وإن عادت الكناية إلى الصلاة؛ لأنها أقرب مذكور، كما قال الشاعِرُ:
فَمَنْ يَكُ أَمْسَى في الْمَدِينَةِ رَحْلُهُ *** فَإِنِّي وَقَيَّارٌ بِهَا لَغَرِيبُ
والثالث: وإن إجابة محمد صلى الله عليه وسلم لشديدة إلا على الخاشعين.
والخشوع في الله: التواضع، ونظيره الخضوع، وقيل: إن الخضوع في البدن، والخشوعَ في الصوت، والبصر.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو ربِّهِمْ} فيه تأويلان:
أحدهما: يظنون أنهم ملاقو ربهم بذنوبهم، لإشفاقهم من المعاصي التي كانت منهم.
والثاني: وهو قول الجمهور: أن الظن ها هنا اليقين، فكأنه قال: الذين يَتَيَقَّنُون أنهم ملاقو ربهم، وكذلك قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّي مُلاَقٍ حسَابِيَهْ} أي تيقَّنت، قال أبو داود:
رُبَّ هَمٍّ فَرَّجْتَهُ بِغَرِيمٍ *** وَغُيوبٍ كَشَفْتَهَا بِظُنُونِ
{وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنه أراد بالرجوع الموت.
والثاني: أنهم راجعون بالإعادة في الآخرة، وهو قول أبي العالية.
والثالث: راجعون إليه، أي لا يملك أحد لهم ضرّاً ولا نفعاً غيره كما كانوا في بدءِ الخلق.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13